سورة المائدة - تفسير أيسر التفاسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}
{يُوَارِي} {يَاوَيْلَتَا} {فَأُوَارِيَ} {النادمين}
(31)- ثُمَّ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى أنَّ الإِنْسَانَ قَدْ يَسْتَفِيدَ مِنْ تَجَارِبِ غَيْرِهِ، فَلَمَّا مَاتَ الأخُ القَتِيلُ، تَرَكَهُ القَاتِلُ فِي العَرَاءِ، وَهُوَ لا يَعْرِفُ كَيْفَ يَدْفِنُهُ، فَبَعَثَ اللهُ غُرَابَيْنِ فَاقْتَتَلا، فَقَتَلَ أحَدُهُما صَاحِبَهُ، فَحَفَرَ لَهُ حُفْرَةً ألْقَاهُ فِيهَا، ثُمَّ حَثَا عَلَيهِ التُّرَابَ. فَلَمَّا رَآهُ ابْنُ آدَمَ القَاتِلُ قَالَ: يَا وَيْلَتَا أَعَجِزْتُ أنْ أكُونَ مِثْلَ هَذا الغُرَابِ فَأوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي؟ فَنَدِمَ عَلَى مَا فَعَل.
السَّوْءَةَ- مَا يَسُوء ظُهُورُهُ، وَالمَقْصُودُ بِهَا هُنَا جُثَّتُهُ.
يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ- يَحْفِرُ فِيها لِيَدْفِنَ غُراباً قَتَلَهُ.


{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)}
{بني إِسْرَائِيلَ} {بالبينات}
(32)- يُخْبِرُ تَعَالَى: أنَّهُ بِسَبَبِ قِتْلِ ابْنِ آدَمَ أخَاهُ، شَرَعَ اللهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَضَى عَلَيْهِمْ، أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ مِنْ قِصَاصٍ أوْ إِفْسَادٍ فِي الأَرْضِ، وَاسْتَحَلَّ قَتْلَهَا، بِلا سَبَبٍ وَلا جِنَايَةٍ، فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، لأَنَّهُ لا فَرْقَ عِنْدَهُ بَيْنَ نَفْسٍ. وَمَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا، وَكَانَ سَبباً فِي حَيَاةِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، بِإِنْقَاذِهَا مِنْ مَوْتٍ، فَكَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً، لأنَّ البَاعِثَ عَلَى الامتِنَاعِ عَنِ القَتْلِ هُوَ اعْتِقَادُهُ بِأنَّ ذَلِكَ شَرٌّ وَأنَّ اللهَ حَرَّمَهُ، وَلِذَلِكَ فَإنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَسْلَمُونَ مِنْ شَرِّهِ، وَيَأمَنُونَ أذَاهُ، وَلأنَّ البَاعِثَ عَلَى إنْقَاذِ النَّفْسَ مِنَ المَوْتِ الذِي كَانَ يَتَهَدَّدُهَا هُوَ الرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ، وَالوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ الشَّرَائِعِ، فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أنَّهُ مُسْتَعِد لإنْقَاذِ كُلِّ نَفْسٍ إنِ اسْتَطَاعَ، وَلِذَلِكَ يَكُونُ كَأنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً. وَلَقَدْ جَاءَتْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رُسُلُهُمْ بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ وَالدَّلائِلَ الوَاضِحَةِ. وَلَكِنَّ الكَثِيرينَ مِنْهُمْ كَانُوا مَعَ ذَلِكَ مُسْرِفِينَ فِي فَسَادِهِمْ فِي الأَرْضِ.
(وَهَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللهَ تَعَالَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى ارْتِكَابِهِم المَحَارِمَ بَعْدَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهَا مَحَارِم).


{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)}
{جَزَآءُ} {خِلافٍ}
(33)- المُحَارَبَةُ هُنَا هِيَ المُخَالَفَةُ وَالمُضَادَّةُ، لأنَّ فِيهَا عَدَمَ إذْعَانٍ لِدِينِ اللهِ وشَرْعِهِ، فِي حِفْظِ الحُقُوقِ، وَهِيَ تَصْدُقُ عَلَى الكُفْرِ، وَعَلى قَطْعِ الطَّرِيقِ، وَإِخَافَةِ السَّابِلَةِ. وَكَذَلِكَ يُطْلَقُ الإِفْسَادُ فِي الأَرْضِ عَلَى أنْواعٍ مِنَ الشَّرِّ وَالفَسَادِ.
وَيَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ فَنَقَضُوا العَهْدَ، وَأَفْسَدُوا فِي الأَرْضِ، فَخَيَّرَ اللهُ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم إنْ شَاءَ أنْ يَقْتُلَهُمْ، وَإنْ شَاءَ أنْ يَقْطَعَ أيْدِيَهُمْ وَأرْجُلَهُمْ مِنْ خِلافٍ (أيْ إنْ قَطَعَ اليَدَ اليُمْنَى قَطَعَ مَعَهَا الرِّجْلَ اليُسْرَى، وَالعَكْسُ عَلَى العَكْسِ) أَو أَنْ يَنْفِيَهُمْ مِنَ الأَرْضِ التِي ارْتُكِبَ فِيها الجُرْمُ إلى أرْضٍ أُخْرَى لِيُسْجَنُوا فِيهَا (وَالنَفْي فِي مَفْهُومِ أبي حَنِيفَة هُوَ السِجْن) وَالصَحِيح: أنَّ عَامَّةٌ تَشْمَلُ كُلَّ مَنْ ارتَكَبَ عَمَلاً مِنْ أعمَالِ الفَسَادِ فِي الأَرْضِ.
وَحُكْمُ المُحَارَبَةِ عِنْدَ الأئْمَةِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وابْنِ حَنْبَل يَكُونُ فِي الأمْصَارِ كَمَا يَكُونُ فِي الطُرِقِ خَارِجَ المُدُنِ، حَتَّى إِنَّ مَالِكاً جَعَلَ المُحَارَبَةَ تَشْمَلُ حَالَةَ الرَّجُلِ الذِي يَخْدَعُ رَجُلاً فَيُدْخِلُهُ بَيْتَهُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأخُذُ مَا مَعَهُ.
وَقَالَ أبو حَنِيفَة إنَّمَا تَكُونُ المُحَارَبَةُ فِي الطُّرُقَاتِ لِبُعْدِ النَّاسِ عَمَّنْ يُغِيثُ، أَمَّا فِي الأمْصَارِ فَلا تَكُونُ مُحَارَبَةٌ لأنَّ الإنْسَانَ قَدْ يَلْحَقُهُ غَوْثٌ إذَا اسْتَغَاثَ.
وَفِي حَالَةِ المُحَارَبَةِ يَكُونُ دَمُ المَقْتُولِ للسُّلْطَانِ لا إلى وَليِّ المَقْتُولِ، وَلا يَكُونُ عَفْوُهُ سَبَباً فِي اسْقَاطِ العُقُوبَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ العُقُوبَةَ تَكُونُ عَلَى الشَّ: لِ التَّالِي:
إذَا قَتَلُوا يُقْتَلُونَ بِمَنْ قَتَلُوا.
إذَا قَطَعُوا وَغَضَبُوا المَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا تُقْطَعُ أيْدِيهِمْ وَأرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ، وَيُنْفَوْنَ مِنْ بَلَدٍ إلى بَلَدٍ آخَرَ.
إذَا أخَافُوا السَّابِلَةَ فَقَطْ يُحْبَسُونَ.
وَهذا الجَزَاءُ هُوَ عَارٌ لَهُمْ وَنَكَالٌ وَذِلَّةٌ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا (خِزْيٌ)، وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إذَا لَمْ يَتُوبُوا مِنْ فِعْلِهِمْ حَتَّى تَحِينَ وَفَاتُهُمْ.
وَأكْثَرُ الأئِمَّةِ يَتَّفِقُونَ عَلَى أنَّ هَاتَينِ الآيَتَينِ نَزَلَتَا فِي جَمَاعةٍ مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ، قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَكَلَّمُوا بِالإسْلامِ فَوَجَدُوا المَدِينَةَ رَدِيئَةَ المُنَاخِ، فَأَمَرَ لَهُمُ النَّبِيُّ بِبَعْضِ الإِبْلِ وَبِرَاعٍ، وَأَمَرَهُمْ بِالخُرُوجِ مِنَ المَدِينَةِ إلَى أَطْرَافِهَا لِيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إذَا كَانُوا بِنَاحِيَةِ الحَرَّةِ كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ، وَقَتَلُوا رَاعِيَ النَّبِيِّ، وَاسْتَاقُوا الإبِلَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيِّ فَأَرْسَلَ فِي الطَلَبِ فِي آثَارِهِمْ، فأُتِيَ بِهِمْ إلى النَّبِيِّ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ، فَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَقُطِعَتْ أيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ وَتُرِكُوا حَتَّى مَاتُوا.
فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ لِبَيَانِ عُقُوبَةِ المُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ.
يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ- يُبْعَدُوا أوْ يُسْجَنُوا.
خِزْيٌ- دُلٌّ وَفَضِيحَةٌ وَعُقُوبَةٌ.

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14